اول ايام العيد الأضحى في لندن. بشر في كل مكان, في المطاعم و الكافيهات. كأن لندن تحولت الى بغداد الغرب. أراكيل و اغانٍ عربية و هوسات خليجية.
تُذكرني بقصص والدي أيام بغداد الثمانينات. ناس تحب الحياة. احتفالات و اهازيج و اطفال يصرخون!
تذكرة قطار واحدة الى المنزل. أكاد لا أشعر بقدمي. ربما مشيت ماراثون كامل.
شدة الازدحامات أربكت القطارات. شاشات القدوم و الوصول اصبحت متأخرة من شدة الضغط المتواصل على الشبكة. تأخير و الغاء وجهات و كركبة في كل مكان.
توجهت الى محطة بلاك فراير. اتخذت هذه المحطة ملجأي للعودة في كل وقت. سهلة. أكاد اجزم بانني استطيع ان احدد موقعها من اي مكان.
دخلت من عند البوابة بعد التلويح بتذكرتي امام القارئ. بالضبط عند الموعد.. اتى القطار مسرعاً محملاً و مثقلا بركابه من كل حدب و صوب. ركبت، ثم انظر الى شاشة الوجهة لاتفاجئ بان الوجهة ويمبلدون. اللعنة. من اين اتت ويمبلدون. سألت رجلاً معضلاً ركب بعدي: عفواً أين يتجه القطار؟ أجاب: الجسور الثلاثة. قلت له: لا انها الوجهة على طريقي. هذا القطار متوجه الى ويمبلدون يا صديق.
مشينا نبحث عن مراقب القطار الذي يتحقق من التذاكر. نمشي و لا نراه..
تلتفت الينا امرأة ثلاثينية. هيه! تحتاجون شيئ؟
اجبنا: نحن ضائعون، نظن بأننا اتخذنا القطار الخاطئ.
اجابت الثلاثينية بصوت خافت، يبدون بأن صديقها\زوجها نائم بجنبها، هذا القطار متوجه الى ويمبلدون يا اصدقاء، شاشات العرض على الرصيف خذلتكم. هذا القطار متأخر ثلاثون دقيقة و نحن متوجهون الى بلدتنا.
أجاب المٌعضل: حسناً ماذا نفعل؟
قالت له الثلاثينية: المحطة القادمة هي محطة القلعة و الفيل، انزلوا هناك ثم امشوا الى محطة جسر لندن و اركبوا بأول قطار يأتي.
و هذا ما فعلنا. نزلنا انا و صديقي المُعضل الجديد عند محطة القلعة و الفيل شرق لندن. صديقي المعضل حجمه بحجم اثنين. عريض الاكتاف، عضلات و وشوم جميلة تلف ذراعه و رقبته، تتصل به صديقته كل خمس دقائق، توبخه، ترفع صوتها: لقد اضعت الطريق. تكلمنا على الطريق. تبادلنا احاديث و نكت ثقيلة و ضحكنا، و كانت صديقته تتصل به كل خمس دقائق، الو اين انت؟ من معك؟ قلت لها : هااي ! انه انا صديقته النحيف الجديد. لقد ركبنا القطار الخاطئ سوية.
كان صديقي المعضل مرتبك حد الجنون. لاحقاً قال لي بأنه لم يزر لندن منذ عشر سنوات. لا يملك اي تواصل اجتماعي. لا تيكتوك و لا انستكرام و لا اي شيئ. يملك كلبين اثنين و حصان و صديقته الاثيرة. لاحقاً مزح معي و قال: صديقتي تحب الكلاب اولا، ثم الحصان، ثم آتي بالمرتبة الثالثة. قلت له بمزحة اثقل: هذا رائع، ليس سيئ على الاطلاق المرتبة الثالثة تعتبر بمثابة الاول .
تتصل الصديقة كل خمس دقائق، و المزحة الاخيرة كانت بأنني سوف احميه و اوصله الى محطته الاخيرة. قالت لي نعم فهو لا يسافر كثيرا في القطار و لا يعرف الوجهات. صديقي المعضل كان قد امضى الوقت مع رفاق الطريق من ايام الابتدائية. ربما كان قد شرب الكثير عند احدى حانات لندن العريقة.
اوصلته الى المحطة. تبادلنا التحية. اتصلت صديقته الاثيرة. قلت لها مع السلامة كان وقتا رائعا مع صديقكٍ المعضل. ابتسمت، ثم ذهب.
 |
محطة بلاك فراير، دقائق قبل صعود القطار الخاطئ |