من أين ابدأ؟ لاأعلم
أجلس الآن في مكان عمل مشترك بالقرب من بار في سكن مشترك في العاصمة السويدية ستوكهولم.
يجلس أمامي رجل سبعيني يتكلم مع شاب يجلس بالقرب منه بصوت عالٍ، بدا لي بأنه بريطاني، ميزته من لكنته القوية. الطاولة القريبة مني يجلس رواد المكان و اخرون من ساكني السكن المشترك، يشربون انواع مختلفة من الكحول و يلعبون البينغو. اتخذت زاوية الطاولة ملجأ لي لأكتب و أدون و احرك المشاعر و اقرب المسافات.
مخاوفي في السنة الأخيرة بدأت تتكاثر. احدها هو ضياع أثر الرحلات و التجوال. ماذا لو لم يتمكن الجيل اللاحق من سماع كل هذه القصص. ما الجدوى من هذه الرحلة سوى نقل الدروس للجيل اللاحق.
هل التدوين على الانترنيت سوف يبقى للمائة عام القادمة. ان كانت الاجابة ب لا، فهل سيكون التدوين على الورق بديلاً؟ من خلال تجاربي السابقة سوف احتاج الى كم هائل من المدونات لتدوين جميع الرحلات و الكتابة عن جميع القصص. ثم ان مشاركتها سوف تكون امراً صعباَ.
أشارك غرفة السكن مع ثلاثة آخرون: الاندونسي و الالماني و آخر لا اعلم جنسيته في عقده الرابع. يغمغم بكلمات غير مفهومة على الاطلاق. بدا لي بانه ساكن دائم في هذا المكان. يأفف عندما افتح النافذة. لا يطيق الضوء يغطي سريره بستار. احاول ان افتح حديث معه لكنه نادرا ما يشارك الحديث او يبدي رأيه بموضوع ما. في الليلة الماضية عاد الألماني عند الساعة الثالثة صباحا. كان يتنفس بصعوبة. عندما استيقظت صباحا شاركني الحديث ثم قال بأنه فقد جوازه و محفظته التي تحتوي جميع نقوده . لم يشارك الاربعيني اي شيئ، لم يبدي رأيه و لم يتعاطف. لا أعلم ان كان التعاطف امر جيد او امر سيئ لكن مشاركة شيئ اي شيء من الممكن ان يخفف عن الشخص المصاب.
لم يكن صعبا على الاطلاق كسر حاجز الاختلاط في ستوكهولم. في الواقع لم يكن صعبا على الاطلاق الاندماج في جو المدينة. في اليوم الأول زرت المدينة القديمة كاملا ستان و القصر الملكي. ربطت الكثير من الاحداث ما بين القصر الملكي هنا في ستوكهولم و قصر الفيرساي في فرنسا اذ ان البلدين يربطهم تاريخ و احداث مهمة و مفصلية. شاركت السويد في تحالف مع بريطانيا و رومانيا و تشكيل تحالف او ائتلاف ما بين عام 1803 و 1806 ضد فرنسا. و من هنا نشأ الحياد السويدي اذ تورطت السويد في الحروب النابليونية و ان كان دورها صغير في معركة لايبزيغ.
التاريخ الأوربي معقد للغاية برأيي اذا ما قارناه بالتاريخ العربي. تحالفات و حروب و احتلال و تسليم مدن و اتفاقيات ضم دول. نابليون وحده و الحروب التي خاضها في الداخل الاوربي غيرت مجرى التاريخ (للاحسن او للاسوء ؟) كل هذه الاحداث شهدها هذا القصر الذي اتجوله بأريحية. كم من اجتماع حدث في اروقة القصر. جلست افكر في الخفايا و الخبايا التي تناقلها الخدم و للحظة تذكرت السلاطين العثمانيين و المسلسلات التي انتجت حول الخدم و المعلومات التي يعرفوها.