القهوة هنا تروي حكاية شعب بأكمله، حكاية الإستبداد و الطريق الى الحرية، حكاية الظلم و اللاعدالة. أكاد أسمع صوت قاطفي القهوة يغنون بصوت واحد " لالا لالا كينيا بلد الحرية".
أكتب هذه المدونة من طاولة المطبخ في ركن الفندق، كعادتي أخترت أن أجلس بقرب آلة الإسبريسو لأسمع أصوات صنع القهوة المألوفة، صوت نفث البخار، ضرب العتلة التي تحتوي حبيبات القهوة على الطاولة الخشبية، و صوت تبخير الحليب. كأن هذه الأصوات مجتزئة من مقطوعة موسيقية مٌلحنها صانع القهوة.
" فنجان من القهوة يبقى ذكرى 40 سنة " - مثل تركي قديم "
أثناء ترحالي إكتشفت شغفاً جديداً، في الحقيقة إثنين: الأول تذوق القهوة و مقارنتها بالقهوة في بلدي، و الثاني جمع انواع قهوة مميزة و
غريبة لأتذوقها في بلدي الأم. في إسطنبول، هنالك مقهى قهوة "متخصص" إسمُه "أسبريسو لاب" قهوته داكنة و محمصة بشكل رائع، لكن قهوة " أرابيكا" في دبي و ابو ظبي كانت متفوقة في الطعم و الأصالة و الرائحة.. ربما بسبب نوع القهوة الاكثر جودة. في باريس القهوة مختلفة بكل المقاييس. أطلب كوب من الكابتشينو في مقهى صغير في شارع ضيق مهما كانت اطلالته و سترى الفرق. في فرانكفورت و مدن ألمانيا العجائبية القهوة داكنة و ساخنة و مصنوعة بدقة، تشبه تلك التي تذوقتها في فرنسا.. أما هٌنا في نيروبي، القهوة تتفوق على جميع ما ذكرت: الرائحة، الطعم، اللون، السخونة، كوب القهوة نفسهُ. التجربة تختلف بكل تأكيد، يحترفون صنع القهوة و يقدمونها بطرق أصلية مع لمسة عصرية.
القهوة هي الرحال الوحيد في هذا العالم، تسافر البلدان من دون جواز سفر، تدخل بيوت الناس من دون استئذان، تشارك المتعبون في هذه الحياة همومهم و احزانهم، ترافق العاملون في عملهم صباحاُ، و ترتمي على طاولات الطلبة أثناء دراستهم و أبحاثهم.
القهوة، تنقل القصص و الحكايات الخفية بشكل ما..
ربما حان الوقت لكوب آخر من أيادي صانع القهوة الذي يقف أمامي الآن..
- "عفواً كوب اسبريسو ساخن و مميز من أياديك"
- "حاضر، دقائق و تكون جاهزة".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق