Sunday, January 29, 2023

كتُب نيروبي

في رِحلاتي أحرصُ على زيارة المكتبات و محلات القرطاسية و التجول بين الكُتب. أغوصُ في عالم الورق و الحبر و أقف في زحام الحالمين أقتنص من هُنا و هناك كتب أبحث عنها، او كتب تبحث عني.

في نيروبي، الكتب حالة خاصة. في هذه المدينة العجيبة، الشعبٌ يقرأ.. أستطيع أن أرى ذلك في عيون زوار المكتبات العامة و الخاصة. لم لا و هو البلد ذاته الذي يصدر القهوة الى بلاد العالم المختلفة.. و هو البلد ذاته الذي احتضن الحيوانات الخمس الكبرى في هذا العالم، و هو البلد ذاته الذي انتفض من رماد الفقر و الظلم.






































حسناً.. سأحكي لكم سر: لا أستطيع أن أعيش في مدينة لا يوجد فيها مكتبة تحتويني. لا أستطيع! أُريد أن يكون هذا المكان متنفسي عند الشدة و الفرح، عند السراء و الضراء، في كل أوقات السنة و في كل الأيام. كأنها ملجأي، ألتجأُ إليها عندما تأتي الحاجة للقاء كتاب، قراءة سطر من رواية او جملة في كتاب عابر. 







































أعشق إختلاف الكتب بين الدول و الشعوب. في كل مكتبة أدخلها أُلاحظ ثيمة معينة. إختلاف الروايات العالمية باللإضافة الى الكتب المحلية. الرواية حالة خاصة تعكس هموم الشعوب و أحلامها، في العراق "فرانكشتاين في بغداد" تعكس ماهية الوضع السياسي و الاجتماعي و الثقافية أثناء أسوء فترات العراق في العصر الحديث (2007). في الكويت رواية "ساق البامبو" تعكس حالة إجتماعية بلسان عيسى المولود من أب كويتي و أم فلبينية في فترة التسعينات (ولد عيسى قبل الإحتلال، راشد أبو عيسى إلتحق بالمقاومة الكويتية ضد الإحتلال الكويتي ثم أستشهد في العراق و دفن في مقبرة النجف). في تركيا أورهان باموق يسرد أحداث مهمة في تاريخ البلد مع رسائل مبطنة، في فرنسا يكتب غيوم ميسو بأسلوب رائع حيث يعتبر اليوم من أهم كتاب فرنسا المعاصرين، في روايته "فتاة من ورق" يجعلك تشارك أبطال روايته كفاحهم و طريقهم الى النجاح. هُنا في كينيا، ماذا يقرأون؟ عن ماذا تحكي رواياتهم.. ؟ سؤال مهم، سوف أعرف إجابته في الأيام القليلة القادمة.. 

Saturday, January 28, 2023

القهوة.. حكاية شعب

القهوة هنا تروي حكاية شعب بأكمله، حكاية الإستبداد و الطريق الى الحرية، حكاية الظلم و اللاعدالة. أكاد أسمع صوت قاطفي القهوة يغنون بصوت واحد " لالا لالا كينيا بلد الحرية".

أكتب هذه المدونة من طاولة المطبخ في ركن الفندق، كعادتي أخترت أن أجلس بقرب آلة الإسبريسو لأسمع أصوات صنع القهوة المألوفة، صوت نفث البخار، ضرب العتلة التي تحتوي حبيبات القهوة على الطاولة الخشبية، و صوت تبخير الحليب. كأن هذه الأصوات مجتزئة من مقطوعة موسيقية مٌلحنها صانع القهوة. 


" فنجان من القهوة  يبقى ذكرى 40 سنة " - مثل تركي قديم "


أثناء ترحالي إكتشفت شغفاً جديداً، في الحقيقة إثنين: الأول تذوق القهوة و مقارنتها بالقهوة في بلدي، و الثاني جمع انواع قهوة مميزة و
 غريبة لأتذوقها في بلدي الأم. في إسطنبول، هنالك مقهى قهوة "متخصص" إسمُه "أسبريسو لاب" قهوته داكنة و محمصة بشكل رائع، لكن قهوة " أرابيكا" في دبي و ابو ظبي كانت متفوقة في الطعم و الأصالة و الرائحة.. ربما بسبب نوع القهوة الاكثر جودة. في باريس القهوة مختلفة بكل المقاييس. أطلب كوب من الكابتشينو في مقهى صغير في شارع ضيق مهما كانت اطلالته و سترى الفرق. في فرانكفورت و مدن ألمانيا العجائبية القهوة داكنة و ساخنة و مصنوعة بدقة، تشبه تلك التي تذوقتها في فرنسا.. أما هٌنا في نيروبي، القهوة تتفوق على جميع ما ذكرت: الرائحة، الطعم، اللون، السخونة، كوب القهوة نفسهُ. التجربة تختلف بكل تأكيد، يحترفون صنع القهوة و يقدمونها بطرق أصلية مع لمسة عصرية.  


القهوة هي الرحال الوحيد في هذا العالم، تسافر البلدان من دون جواز سفر، تدخل بيوت الناس من دون استئذان، تشارك المتعبون في هذه الحياة همومهم و احزانهم، ترافق العاملون في عملهم صباحاُ، و ترتمي على طاولات الطلبة أثناء دراستهم و أبحاثهم.

القهوة، تنقل القصص و الحكايات الخفية بشكل ما.. 

ربما حان الوقت لكوب آخر من أيادي صانع القهوة الذي يقف أمامي الآن.. 

- "عفواً كوب اسبريسو ساخن و مميز من أياديك"
- "حاضر، دقائق و تكون جاهزة".

Tuesday, January 24, 2023

الليل في نيروبي

مثل جميع مدن العالم، تتغير هوية هذه المدينة ليلاً. صخبُ قرب الأماكن الفارهة، هدوء في الأماكن السكنية، أجواء رومانسية قرب الأماكن السياحية و ربما قرب الأماكن التي يسكنها أجانب هذه المدينة.

حياة المدينة ليلاً تختلف كثيراَ عن نهارها. تكثر السرقات، و يقل المٌشاة. كانت النصيحة الأولى التي قالها لي سائق التكسي في الطريق من المطار الى الفندق. "إياك و ان تمشي في الليل وحيداً. هنالك أشخاص يعيشون على سرقات الأجانب الضحايا الذين لا يعلمون شيئاً عن خبايا الطرقات.." حديثه هذا ذكرني برحلتي العجيبة الى الساكخي كوغ في باريس، على الرغم من معرفتي بالطرقات و اللغة، كانت الطرقات مخيفة بشكل جنوني.

ماذا يحدث في نيروبي ليلاً، الكثير رُبما لكن ما يثير فضولي هو المقاهي و روادها، المُشاة و الطرقات. أشعر بالإمتلاء الشديد بمجرد رؤيتي المشاة المسرعون. الجميع يسعى خلف شيئ ما.. رؤية صديق، مقابلة عمل، عشاء مع العائلة او ربما رحلة الى مكان آخر.. كل شيء هنا يضيف اليك طاقة خفية.. البساطة، الترحاب، و اللطافة. 

الليل في نيروبي: كوب قهوة في ركن المقهى، كتاب "أدوات الجبابرة"، موسيقى هادئة، و الكثير من الزحام! 












Tuesday, January 17, 2023

طعام، صلاة، حُب!

كان قلبي يدقٌ على التوقيت العراقي، بينما كان عقلي قد انسجم مع البيئة هنا في هذا البلد الأفريقي الجميل. في الحقيقة، التوقيت هنا مساوٍ للتوقيت في العراق حيث لا يوجد فرق في التوقيت بين نروبي و بغداد لكن بدا لي بأن الوقت هنا يمر بخطوات مختلفة.. على الاقل هذا ما شعرت به في اليوم الأول

قيلولة الظهر كانت من المٌسلمات سيما انني قاومت النوم اثناء الرحلة. الهدوء كان مخيماً على الغرفة و المكان. عند انتهائي من قيلولة الظهر اتجهت السوق القريب لشراء بعض الحاجيات.. أخذت أوبر الى المدينة و تحدثت مع سائق التكسي عن كل شيئ يخص نيروبي و كينيا. دفعة واحدة سؤال تلو الآخر. "ماذا عن العرب ؟" قلت لهُ. أجاب "العرب قدمو من جهة المحيط الهندي محملين بالأمتعة" تزوجو من الناس المحليين، ليولد أحفاد من أباء عرب و أُمهات افريقيات.. هكذا ولدت اللغة السويحلية" أجاب بسعادة

في اليوم الأول تعلمت كلمتين باللهجة المحلية "ليست السويحلية لأن الشعب لا يستخدمها"، يستخدم لهجة بسيطة و سريعة، يمكن تشبيهها 
بلهجاتنا العربية" الكلمة الأولى هي: ساسا و تعني مرحباً و الثانية ساوا و تعني أوكي

نيروبي في الصباح أدهشتني. الجميع بدون إستثناء متوجه الى العمل، حاملين حقائبهم خلف ظهورهم، بعضهم بزي رسمي، آخرون بزي رياضي، بينما كان الأغلبية بزي بسيط. قال لي السائق
 
"Everyone is minding their own business" 

ما يعني بأن لا أحد يتدخل بالثاني و هذا ما يميز الشعب هنا

يا الله، ما هذا الإصرار الذي يحمله الشعب الأفريقي، من أين يأتون بهذه القوة و التحمل.. كنت أبكي بصمت.. أبكي على شعبنا الذي و ان كان قد تحمل الكثير لكنه لم يصل الى الإلتزام و الإصرار الذي يلازمه هذا الشعب العجيب. 

لكل شعب تعريف مختلفة عن العزيمة، و لكل شعب تعريف مختلف عن المعوقات و التحديات و المصاعب، الشيء المشترك الوحيد بين جميع الشعوب هو اعترافهم بوجود المعوقات، لكن لكل واحد منهم تعريف مختلف. 
اتفق الجميع على الطعام اللذيذ، لذا في اليوم الاول ذهبت الى طعام محلي تصنعه امرأة في عقدها الثالث ربما.. لاحظت بأنها مهتمة بأختياراتي فقلت لها اختاري لي ما تحبين

الوجبة الأولى في نيروبي: سمك و رُز و خضراوات مطبوخة 
https://drive.google.com/uc?export=view&id=1qdIAfvCAjQIuHKxgF3gIw1b-YN_5fseU


تذكرت كتاب و فلم "طعام، صلاة، حُب" عندما تذهب بطلة الرواية الى ايطاليا و من ثم الى الهند في رحلة روحية لتكتشف ذاتها.. حيث كان الأكل جزءاً مهماً من إكتشافاتها هذه.. أشعر بهذا الأمر الآن بعد عقد من الزمن على قراءة هذه الرواية.. الطعام جزء من الهوية و جزء من التجربة و اكتشاف الآخر

في طريق العودة الى المنزل، كنت في حديث مع صديق نيبالي يعيش منذ شهر في نيروبي. كالعادة يبدأ حديثنا عن العراق. الجميع يسأل السؤال ذاته "كيف هي الحياة في العراق؟" يصعب علي الإجابة على هذا السؤال رغم بساطته، لكنني دائما ما أبدأ بهذه الجملة "الحياة هناك جميلة، لكنها مثل كل البلدان في هذا العالم يتخللها الكثير من التحديات، كما ان الحياة تصبح جميلة عندما تكون مع الأشخاص الذين يجعلونك تؤمن بذلك" و في الحقيقة انني كثيرا ما احاول ان اطبقها بشكل عام في أي بلد أكون فيه

الأشخاص الصح يجعلونك ترى الاشياء الصح أليس كذلك ؟

أجاب صديقي النيبالي بأن الحياة في نيبال تكون جميلة حول الاشخاص الذين يحب. أعتقد بأن هذه الجملة تختصر الكثير

هنا نيروبي، اليوم الأول في مدينة الشعب، مدينة العمل و الإصرار و العزيمة، المدينة التي تستيقظ مبكراً ربما قبل جميع المدن في هذا العالم




Monday, January 16, 2023

٦:٤٨ دقيقة

انها الساعة السادسة و ثمان و اربعون دقيقة، الشمس تشرق من الجانب الايسر، تتخلل خيوط الشمس عبر النافذة، نحن في مكان ما فوق البحر الاحمر بالقرب من خليج عدن. طفلةُ تبدأ بالبكاء و الصراخ. اعطيها قطعة من حلوى عراقية لعلها تهدأ.. لكن لا جدوى!نشارف على دخولنا الساعة ال ٥ في الفضاء..اقوم اسئل المضيفة عن موعد هبوطنا لتجيب قريبا. ترتفع الشمس لتنير اشعتها الطائرة بالكامل. في الساعات الماضية حرصت على قراءة كتاب "أدوات الجبابرة" هذا الكتاب كان على قائمة القراءة الخاصة بي منذ زمن، لكاتب يدعى تيم فيريس. عظيم جداً، استمتعت بقراءة الجزء الاول، و قمت بكتابة ملاحظات عن القصص المذكورة.. يستحق القراءة! 


n/a
شيءُ ما اعشقه في السفر الطويل اثناء الليل. وجودي بقرب النافذة يشعرني بالطمأنينة عندما أرى الطائرة تسبح في الوجود. لا أحد يعلم عنا شيئا سوى مركز المتابعة في الأسفل. الظلام، لا شيء سوى السواد و جناح طائرة يشقُ كتلة الهواء و نحن! النجوم، و القمر رفيقا دربنا الهادئ. تضطرب الطائرة فوق الخليج، يُحذر طاقم الطائرة من اضطرابات عنيفة قادمة. نجتاز المطبات الهوائية بسلام ثم يعلن قائد الطائرة هبوطنا الوشيك. 
تجلس بجانبي فتاة عشرينية كوول، تدرس في النرويج و هي قادمة لرؤية عائلتها في نيروبي. تبادلنا ارقام الهاتف و الانستگرام لنتفق على جولات في المدينة تكون فيها دليلي السياحي المحلي. كما أنها وعدتني بوجبة سمك. "سوف تحبها" قالت، ثم تنهدت "هل يوجد سمك في بلدك؟"، شرحت عن المسگوف و لكن اكملت بانني اعيش في مدينة لا نهرية، لذا يكون السمك وجبة نادرة على مائدتي.. ثم قلت لها بانها وجبة غالية في الحقيقة!
انها الساعة السابعة و النصف صباحًا، نهبط بسلام على ارض مطار جومو كينياتا الدولي.

وارسو، مدينة لا تشبه المُدُن..

بعض من الصور في فصول متعددة. علاقتي مع هذه المدينة لم تتغير لأشهر. هٌنا حيث اقضي ايام استراحاتي. اشعر بالراحة و الطمأنينة. هٌنا قضيت نهاية ا...